قول تلفظ به ضابط ألماني يُدعى چابلس هوبزجر وهو كان أحد الضباط الكبار المقربين إلى هتلر ثم انشقوا عنه خلال الحرب العالمية الثانية، وطلب اللجوء من بريطانيا، على الفور رحبت بريطانيا به وأسكنته في أفخم الفنادق البريطانية حينها، ثم بعد مدة طلبت منه إرشادها الى بعض المراكز العسكرية الألمانية، بغية استهدافها، لكنه رفض حينها قائلاً " لقد تخليت عن هتلر، لكنني لم أتخلَ عن ألمانيا، لتقوم إنكلترا بعد فترة بإعدامه ويقول حينها كلمته التي لا تزال باقية " أن للأوطان حُرمة لا يبيعها الا الأنذال" .
تذكرت ما كنت قد قرأته سابقاً حينما سمعت فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية، يتحدث عن بعض الأنذال الذين يقومون بالوشاية إلى أميركا، وهم الذين امتهنوا هذه المهنة سابقاً ولا يزالون . إنه لأمر مقزز أن تسمع ما سرده الرئيس عون في الأمس عن أولئك البعض، وهي حقيقة كانت نصب أعيننا منذ زمن، نراها ونتلمس وشايتهم، أفعالَ قتلٍ واغتيالات واستباحة تمارسها اسرائيل، خلّفت معها شهداء وجرحى، وتدمير في أرزاق اللبنانيين وممتلكاتهم .
أجل إنها الحقيقة المُرة التي نعيشها اليوم، وهي ضياع الولاء والمواطنية، بل موتهما وموت كل القيم معهما .
لم أتعجب مما ذكره فخامة الرئيس حول البعض الذي باع نفسه وباع وطنه ورجالات بثمن بخس عبارة عن حفنة من الدولارات وجنسية أجنبية، ربما مَنّ عليه بعض الغرب ومنحه إياها، وأسأل نفسي هل هو ذات ال لبنان الذي نعيشه ونفس التراب الذي يحتضننا حينما نترك هذه الدنيا ؟
أجيب وبإطمئنان ودونما جهد فكري
حتماً لبناننا لا يشبههم ولبنانهم لا يشبهنا، لبناننا غير، لبنان العزة ولبنان الكرامة ولبنان التضحية ولبنان الوفاء، أما لبنانهم فإختر ما شئت من مصطلحات الخسة وأضفها . أجل، فنحن غير، لا نشبههم ولم نكن يوماً نشبههم .
أسترجع في ذاكرتي قليلاً مما قرأته عن تاريخ ليس بالبعيد لتتكون أمامي صورة العمالة مقابل صورة الوفاء والارتباط بتراب الوطن .
أبدأ من حرب انتهت منذ سنة ولم تنته، قدم معها اللبنانيون كل ما يمكن تقديمه وأكثر، ليبقى هذا ال لبنان لبنانياً ووطناً لجميع أبنائه بإختلافاتهم الدينية، رغم أن العدوان لم يكن على الجميع ولم يقارب البعض، أجل، لم تُمس بعض المناطق بأي أذى طيلة فترة ال ٦٦ يوم وحتى الآن لا تزال، ليس لأنها ذات طابع طائفي معين، بل لأنها تركت لبنانيتها منذ القدم وباعت وطنها بالثمن الرخيص، وارتبطت بمشاريع بعيدة . نعم لم تكن الحرب طيلة مدتها وطيلة هذه الفترة التي تلتها، تنال من بناء في المنطقة الشرقية من لبنان، ولم تمس أي حجار من حجارها، ولم يكن السبب طائفياً، بل كانت مصلحتها أن تحافظ على عملائها في الداخل، وقس على ذلك أحداث منذ ولادة هذا الكيان المسخ البغيض وحتى اليوم .
رغم ذلك، ورغم كل ألم وكل جرح، لم يقم هؤلاء المواطنون سوى بواجبهم . لم يترددوا يوماً في الدفاع عن منطقة القاع ورأس بعلبك وسواها من المناطق المسيحية، كما فعلها قبلاً الامام المغيب موسى الصدر(أعاده الله) حينما أكد أن أي رصاصة تطلق على دير الأحمر(المسيحية) فتكون تطلق عليه .
لا زالت هذه المقاومة الشريفة، تزود عن كامل ال ١٠٤٥٢ كلم من أقصاه إلى أقصاه، مع سمائه وبحره، يرفضون المساس بأي ذرة من حدوده التي أقرتها الشرائع والقوانين، وكلنا يتذكر الاستبسال في معركة الحدود البحرية، حينما أرسل الأمين الشهيد الهدهد ليمنع السطوة الإسراىيلية والتخاذل الداخلي، في مقابل تقديمات تفوق ما يطلبه المفاوضون اليوم، من تراب ومياه وسيادة لبنانية، لأنها ليست أرضهم ولأنه ليس وطنهم، ولأنهم اعتادوا الطاعة في محضر الأقوياء .
لكن ليفهموا جميعاً، وليفهم معهم كل أسيادهم، أن هذه المقاومة لا زالت قوية، بل قوية جداً، ومن يرجو ويتأمل، وينتظر خلاصه بعدوان اسرائيلي جُرّب سابقاً وذاق الويلات، أو بوارج أميركية، ذاقت قبلاً طعم الهزيمة عند أقدام عماد مغنية ورفاقه، فلينتظر وليرجو ويتأمل، فلن يكون اليوم سوى الأمس شبيهاً بإذاقتهم الخزي من جديد والذل المتكرر .
وإليكم أيها اللبنانيون الحق، اطمئنوا فلا تزال المقاومة بخير رغم الجراحات، ولا تزال وجهة البوصلة ثابتة، ولا تزال اسرائيل عدوة، حزب الله تعافى سريعاً، بإعتراف الكاره قبل المحب، وما كل تلك الوفود التي تأتي جمعاّ وفُرادى، سوى لأننا لم نزل أقوياء وسنبقى بفضل الله وعونه . راجعوا التاريخ، واستخلصوا العبر، وتعلموا أن لبنان كان وما زال وسيبقى، عصياً على كل المعتدين، لن يكون يوماً في الخانة الأميركية الاسرائيلية، نلين ولا ننكسر وستشهد الايام القادمة بحق من هي المقاومة ومن هم أبناء موسى الصدر وحسن نصرالله .
حمزة العطار